لقد قدت سيارتي من صور ولجهة عملي وإستغرقت كالعاده 6 ساعات لأصل إليه.
الجو لم يكن صحوا ً وأيضا ً لم يكن غائما ً ، الكثير من الغبار والأتربه.
وكما جرت العاده أن أذهب إلى عملي وحيدا ً..
لا أتوقف كثيرا ً في رحلاتي بالسياره ، ولا أشتري الكثير من الأشياء.
أكتفي بالماء وبعض العصائر والمكسرات.
مررت على ولاية المضيبي ، وهناك تفاجأت بعبور ناقة للشارع ، لم أكن في كامل تركيزي
بسبب الإرهاق لأنني الليلة الماضيه نمت متأخرا ً ومن ثم قمت مبكرا ً إضافه إلى هذا أن الغبار كان يحجب عني الرؤيه.
ولكن الحمدلله قد منّ علي الله بأن الإتجاه المعاكس من الشارع لم تكن به سياره فإنحرفت قليلا ً فيه لإتفادى الناقه.
إبتسمت قليلا ً ثم تذكرت أبيات قصيدتي خبر موتي.
إذا جالك خبر مــوتي وعينك فاض مدمعها
وشفت الناس تبكيني وترثي أحمد المرحوم
وقلت في نفسي ، كاد أن يصبح الأمر حقيقة..
أكره هذا الشارع كثيرا ً ، رغم جمالية المناظر التي يحتويها ، ولكن فيه الكثير من النياق وأيضا أهالي هذه المنطقه لايتقيدون أحيانا ً بقواعد المرور ، فتجدهم يتجاهلونها مما يسبب الكثير من الحوادث الكارثيه.
فقط بعض عيال الجيران ، ففي تلك الفتره لايسمح لنا بالإختلاط مع أصحاب من خارج حدود الحاره.
عالمنا محصور ، ووقتنا نقضيه بين المدرسة وسكيك الحاره ، إنها فتره من أجمل الأيام التي يعيشها الشخص.
شقواتنا هي ماتميّزنا ، والبعض منّا تميّز بأشياء أخرى ، كالقيام بحركات بهلوانيه على "السيكل" الدراجه الهوائيه ، وفي ظروف أخرى "المكاون" والشراسه وإفتعال المشاكل.
أصدقائي الدائمين "عبود" و "حماده" و "علّوي" الدب ، هم كانوا أعز أصدقائي وكنا لانفترق إلا ّ وقت النوم ، بل أن أحيانا ً ننام في أحد بيوتنا.
والآن هاأولاء الأصدقاء أكاد لا ألتقي بهم ولو حتى صدفه مع أن بيوتهم تلاصق جدار بيتنا!!!!!
لن ينتهي المشوار هنا..فـ"سوسن" قد دخلت طرفا ً في الحكايه
"سوسن" بنت الجيران ، وهم ليسوا جيرانا ً قدامى لنا ، فقد إنتقلوا حديثا ً من العاصمه.
إنها بنت غريبة الأطوار ، ولكنها آية في الجمال.
تجدها أحيانا ً خجوله ، وأحيانا ً تكاد تجزم أنها ولد من شدّة شقاوتها.
"سوسن" أشعلت فينا حب المنافسه ، فكل واحد منّا قد أوهم نفسه بأنه الحبيب المقرب إلى "سوسن"
وبالذات أنها من النوع الذي يحب أن يتواصل مع كل الناس وبدون أي قيود.
لا أنكر أبدا ً بأني في كل ليله وقبل أنا أنام كنت أكتب رسائل غراميه إلى "سوسن" وأدفنها جنب النخله التي كانت تتوسط ساحة بيتنا آنذاك ، ومن سذاجتي الطفوليه ، كنت أعتقد بأن هذا الشئ كفيل بأن يجعل "سوسن" تهيم بي حبا ً.
إشدت التنافس بيننا للفوز بقلب "سوسن" والمضحك في الأمر أن "سوسن" تجهل حقيقة الوضع ، ووصل بنا الأمر إلى الشجار والمكاون ،
وقتها لم أكن أكتب الشعر ، ولكني كنت رسّما ً ماهرا ً ، وكنت أستغل هذه الموهبه لكي أستميل "سوسن" ولكن في ذات الوقت كان هنالك من أصدقائي من ينافسني بشده في الرسم ، بل يكاد أن يتفوق علي ، "عبود" شخص ذكي ويتميز بسرعة البديهه ، هو يكبرني بعامين ولكننا كنّا أكثر من إخوان ، فقد تربينا مع بعض.
وأهله قمه في الإحترام والذوق ، وقد ورث عنهم هذه الصفات.
ذكريات جميله جدا ً ، سأرويها لكم تباعا ً في وقت لاحق إن شاء الله
ففي أحد الأيام دار شجار قاسي وعنيف بيني وبين أحد أبناء الحاره ، والسبب طبعا ً...."سوسن"
فقد كان ذلك الشخص كثير المضايقة لـ"سوسن" وصادف أنها إشتكت لي من ذلك ،
شكواها لي قد أوهمتني بأني فتاها وفارسها الذي جاءت تستنجد به.
وبغريزتي الذكوريه ومن باب إثبات القوة ومحاولة غرز بذور حبي في "سوسن" أقدمت دون سابق إصرار وترصد على "فلع" ذاك الولد المسكين ، والنتيجه..جاءت أمه ذات اللسان الطويل إلى بيتنا مصطحبة ً معها إبنها المصاب والمفلوع.
وبدأت في التهديد والتنديد ، وليست هنا تنتهي الحكايه ، ولكن إبنها لم يهدأ له بال حتى رد لي الفلعه ، وكانت فلعتي أكبر من فلعته ، إذ لزم إجراء عملية خياطة للجرح وبحضور شرطيين بعد أن قام أهلي بتقديم بلاغ للشرطه.
والحمدلله بعد كل ذلك تنازل أهلي عن الموضوع.
وأنا لم ينلني سوى الضرب من أهلي والسخرية من أصدقائي والتجاهل من "سوسن"
في بعض الأحيان ، وعندما تمتلك الموهبه ، تكتشف أن طريقك لمواصلة مشاورها ليس كم توقعته ورسمته في مخيلتك ، سهلا ً وممهدا ً ، ومفروشا ً بالورد ،بل أنك قد تجد من يقف في طريقك ، والأدهى والأمر أن يكون من أقرب المقربين إليك ، على سبيل المثال
بالأمس ، دخلت في نقاش ساخن وقاس ٍ مع أخي الوحيد والأكبر مني سنا ً - والمفترض أيضا أن يكون أكبر مني عقلا ً وحلما ً وحكمه - حول الشعر ، ووصلنا لطريق مسدود
حيث أنه كان يقول بأني لست شاعرا ً وأني فقط أقلده وأقلد والدي في شعرهما ، وقلت له لاضير ولاضرر من التقليد للإستفاده منكما ، ولكن لاتقل بأني لست شاعرا ً ، فكلامك يجرحني كثيرا ً وبالذات أنك تعلم بمدى حبي للشعر وإجادتي له ، فقال أنت لست شاعرا ً ولا أستغرب ولن أتفاجأ إذا قيل لي بأن أحمد يسرق أبياته من مكان ٍ ما..!!!
لقد كان كلامه قاسيا ً لأبعد الحدود ، فإذا كان أخي الوحيد ، من يقول عني ذلك ، فما بال الناس إذا ً!!!
لقد أنهيت ذلك الحوار المؤلم ، بكلمة واحده فقط //شكراً// وقررت بعدها أن أعتزل الشعر
وأن يظل ما أ:تبه بيني وبين نفسي ، فلست بحاجة لمن يتهمني بالسرقة ،وعلى ماذا؟!
فقط لأنني أثبت بأني أشعر منه وأكثر قوة في كتابة القصايد...
أحمد العلوي من مواليد مدينة صور ، عمري 26 سنه ، أعيش في العفيه ، موظف في شركة نفطيه.
أكتب الشعر كهوايه ، وليس كشاعر محترف ، والله الحمد أمتلك رصيد لا بأس به من القصايد ، لا أطمح أن أصل للشهره ، ولكن معي أهداف أتمنى أن أحققها من وراء أبياتي المتواضعه ، لأني أعتبر أن الشعر رساله وأمانه.
الحمدلله ربي أكرمني بحب الناس لي وإحترامهم ، وأشعر أن هذا هو أحد أسباب سعادتي الكبيره..
هذه الإنسانه التي لم أعرف لها وجه ً ، فقد توفيت وأنا في السنه الثانيه من عمري
وإلى الآن لم أعرف سبب وفاتها ، ولم أتجرأعلى أن أسأل أهلي عن ذلك السبب ، بل لم أتجرأعلى أن أسألهم حتى عن شكلها ولا عن كيف كانت طباعها ، وما الأشياء التي كانت تحبها ، لم أتجرأعلى أن أسألهم خوفا ً على مشاعرهم ، من أن تنجرف إلى قاع الأسى والحزن ، لذلك وطوال كل سنين عمري ، لم أسأل سؤالا ً واحدا ً عن المرحومه
ولكن كل ذلك هيّن وبسيط بالمقارنة مع الموقف الذي صار لي وأنا في صف ثالث إبتدائي فقد طلب منّا المدرس في عيد الأم أن يكتب كل طالب رسالة شكر وحب إلى والدته ، فشرع الجميع بما فيهم أنا لكتابة تلك الرساله بحسنا الطفولي وعواطفنا البريئه ، ولكن عندما إنتهى الزمن المخصص للكتابه ، جاء المدرس ليجمع الأوراق وعندما وصل إلى ورقتي ، وجدها فاضيه!!
-لماذا يا أحمد لم تكتب شيئا؟
-لا أعرف ماذا أكتب يا إستاذ
-معقول ، هل يوجد شخص في الدنيا لا يعرف ماذا يكتب لأمه؟!!
ولم أستطع أن أجيب على سؤال معلمي.
وهو لم يعلق الأمر ، فربما عرف السبب بعد أن رأى دمعة تتلألأ في عيني.
وإكتفى بأن قال لي إذهب إلى دورة المياه وأغسل وجهك ، فهو لم يشاء أن يرى الطلاب دموعي.
إنه موقف بسيط ، من مواقف عديده ، حدثت لي ، في نفس هذا السياق.
كنت أعشق الشعر وأحبه منذ مراحل دراستي الأولى ، وكنت أنجذب لتلك الأبيات المقررة في المنهج
ورغم بساطتها ، إلا ّ أنني كنت أستمتع بقرآءتها ، بل وأظل أقرأها كل يوم.
هذا الشغف الطفولي بالشعر ، إنتقل معي إلى مرحلة الشباب والمراهقه ، وهنا قد بدأت ميولي تختلف نوعا ً ما ، فصرت أقرأ الشعر الغزلي وبالذات شعر العصر الجاهلي والأموي والعباسي وصولا ً إلى قصائد الموشحات في العصر الأندلسي ، ورغم صعوبة قرآءة مثل هذه الأشعار بسبب قوة الألفاظ والمعاني والقواعد اللغوية والتي كانت في تلك الفترة سببا ً للرعب لبعض الطلبه ، لكني كنت أحب أن أواصل القرآءة.
وبعد الثانويه ، إنقطعت عن كتابة الشعر لفترة ليست بالقصيره ، وبعدها عدت للكتابة ولكن بشكل متقطع وكنت أكتب أبيات لاتتجاوز ال3 أو ال4 أبيات ، ومن ثم أتوقف لعدم مقدرتي على المتابعه..