إن من المؤسف حقـاً أن نرى رجالاً يتناقشون في محاضر إجتماعاتهم عن ما شاهدوه في مباراة الأمس، عن كيف سُجل الهدف ومن سجله، وأن الحكم قد وقف بصف الفريق الآخر ووو .. ببساطه يحولون قاعة الإجتماعات إلى استيديو إعلامي لإحدى برامج التحليل الرياضي ، فيه من فوضى النقاش الرياضي ما يجزم على ذلك ، كبعثره للأوراق..وتعالي للأصوات ، يقضون - نصف الدوام- جزءاً من وقتهم وهم يسردون تفاصيل مبارة الأمس.
ليس هذا فحسب ففي الشارع أيضاً الحديث عن عالم كرة القدم والرياضه .. وفي المنزل على سفــرةِ الطعام.. والأمر المحزن حقاً أصبح هذا الموضوع أول إهتمامات السيدات وأول المواضيع المناقشه في مجالسهن ، وحتى الأبناء لهم علمٌ بهذه السخافات، بيدا أن تسأل طفل ذي العاشرة عن اللاعب الذي نال جائزه أفضل لاعب لهذه السنة حتماً سيجيبك ، بينما تسأله عن المبشرين بالجنة أو من هي أم الرسول لن يجيوك ؛ لانهم في حقيقةً الأمر أبصروا على هذه الدنيـا والكبار منشغلين بالمباريات فبالطبع هم يرونه شيءٌ مثالي إذ جميع أفراد العائلة مغرم بالرياضة ومتلهف لها لحد الجنون فطبيعي جداً أن ينشاء الأبناء على عقول فارغة .
أمـا عندما يحين موعد مبارةٍ مـا فكأن القيامة تقوم حيث أن أغلب الموظفين يسرعون مبكراً في الإنصراف عن العمل ، ناهيك عن الحديث عن تجهيزات اللعب كخطه الفريق، ومن سيلعب ، ومن سيمكث في صفوف الإحتياط . كما تصطبغ الوجوه والشوارع بلون الفريق المفضل والكل يتهيأ لهذا الحدث الكبير الذي سيقام بعد وقتٍ ليس بالبعيد والذي مُلَ إنتظاره ومُل الحديث عنه ، وعندما يحين الموعد المترقب بعض المتيمين به يتجهون إلى الملعب للوقوف مع فريقهم عن قرب، والنساء (حدث ولا حرج) تزاحم الرجال في مدرجات الملعب، وبعضهم الآخر -ممن يريحهم المشاهده وهم على أريكه المنزل- يجهزون المرناة والقناة الباثه للحدث يبحثون عن معلق لبق يقف بصف فريقهم لا من يذمه.
تستغرب أحياناً منهم عندما يقولون أن الذي يفعلونه ماهو إلا تمثيلاً للوطنيه ، من المؤسف أنهم يفهمون الوطنيه خطأ، الوطنيه..أن تؤدي لوطنك وتخلص لها، أن تبتكر لها أن تكون حجر أساس فيها، الوطنيه لم تكن يوماً بمشاهده أو موأزرة فريقك الوطني فحسب، إن كان هذا مفهومك عزيزي؟! فـأنصحك أن تعيد وضع الحروف على النقاط وأن تبحث لمن يساعدك في تعريف هذا المصطلح من جديد بشكل صحيح . أنـا هنـا لا أُمانع من مشاهده المباريات ولكن يجب أن نشاهدها بتعقل بهدف الترفيه لا نأخذها محل جد ، فتكون هي الأساس الذي من خلالها نسير حياتنا ، فإذ توقفت توقفنا نحن عن العمل.
أتحسف حقيقةً أني شاهدتُ مبارة قبل أشهرٍ ليست بالبعيده، حينها كان اللعب بين دولتين عربيتين متجاورتين، ما إن أنتهى النزال ،حتى أختلفاء على شيءٌ تافه فتعاركا وتخاصما، ودب الكره في قلوبهم، فقُتل من قُتل وجُرح من جُرح، وأغلقت القنصليتين في كلا البلدين ،كل ذلك لأجل كرة تقذف بالأحذية! أإلى هذا الحد وصلنا أيهـا العرب؟! أليس هذا قمة في الجنون ؟ أليس الأجدر بنا أن نوفر هذه الطاقات الهائلة للدفــاع عن أراضينـا المحتله؟ أن نقف معهم ، وأن نشعر بما يعانونه وما يشكونه، أن نشعر بهم وهم يُحملون على أكفانهم وأشلائهم متناثره في كل ناحية .
وأخيراً إن ما تراه الآن هو مشكلة يترتب على الجميع أن يقفوا ضدها وينظروا لها نظره فاحصه وكاشفه للخطر المتوقع أن تجرفه هذه الفوضى العقليه القاتلة للعلاقات الإجتماعيه والقاتلة لكل شي يتعلق بالإنسانيه، تثيرني هذه العقليات السخيفه فتجعلني أشفق على واقعنا الأليم، الذي يصرخ بكل ألم وأسى، يرتجي من أحدٍ أن يفك قيدة من هذه السخافات المميته.
وقد كتبتهـا بتاريخ :[FONT="] 13/مارس/2010[/FONT]
كـم بدرت من أنفسنـا أخطاء تجاه ذواتنـا كانت أم لأحبابنـا، إرتكبناها بدونمـا وعيٌ منـا، نتيجة لضغطٍ مـا أو حتى بدون ضغط، فبعدمـا يزول ذاك الموقف الذي إرتكبنا فيه الخطـأ نأتي نلوم ضمائرنـا، نتعذب لأجل مـا صدر منـا، ونتحسف كثيراً على ما وقع منـا، تحاسبنا ضمائرنـا، وأحيانـاً للأسف حتى ضمائرنا لا تعي أننـا قد أخطائنـا، نتمنـى فقط أن يـأتـي قـارب كبيـر يُرحّـل هذه الأفكـار المتبقية المتعبة إلى حـدٍ كبيـر، نتمنـى لو أننـا نستطيع أن نُمحي الحزن من ذاكرتنـا، أن نتعلم كيف ننسـى الحزن، كي نبدأ نعيش من جديد أو مثلما يقال نفتح صفحة جديدة.