محمد عيد العريمي
New Member
عزوز
كان عضواً في فريق الرماية بجيش دولة مجاورة، وكان أفضلهم، بل أكثرهم حصداً للمراكز الأولى والميداليات الذهبية، فقد رفع علم الدولة التي كان يمثلها واسمها على منصة التتويج أكثر من مرة. كانوا يصرفون له جواز سفر مؤقت لإثبات أنه مواطن كسائر أعضاء الفريق.. يُسلم الجواز له في المطار قبل صعوده الطائرة، ويُسحب منه في المطار فوراً بعد نزوله من الطائرة؛ لكنه ظل يأمل النفس بالحصول على المواطنة، وبجواز سفر يحتفظ به في حقيبة يده، كلما رأى اسمه في قائمة فريق الرماية؛ فكان يتفانى ويبذل قصارى جهده لتحسين مستوى أدائه في الرماية، وفي العمل أيضا. أُعطبتْ ذاكرته، فحلّت به النوائب: فقدَ مهارته وسُرِّح من عمله، ولم تتحقق أمنيته في الحصول على "جواز دائم لا يسحب منه في المطار"، ثم زج به في الصفوف الأمامية في حفر الباطن أثناء عملية "عاصفة الصحراء". أصيب بارتجاج في رأسه اثر إصابة دبابة، كان احد أفراد طاقمها، بنيران صديقة.. قذيفة مدفع أطلقتها من الخلف قوات حلفاء العاصفة.. أسفرت عن نزف حاد أفقده ذاكرته. طال بقاؤه في إحدى مستشفيات الدولة المحررة، وأصبح حالة كحال بطل قصة "موت سرير رقم 12" للكاتب والمناضل الفلسطيني "غسان كنفاني"، عن قصة رجل عماني وجد فاقدا الوعي، "مات بعيدا، وحيدا، وغريبا على السرير رقم 12، وهو ينزف عرقاً نبيلاً في سبيل لقمة شريفة". عاد عزوز إلى أهله، وفي جيبه ألف دولار دفعتها أمريكا تعويضا عن ما أصاب دماغه من عطب، وفي الجيب الآخر المبلغ نفسه بالعملة المحلية نهاية خدمته الطويلة كجندي وبطل رماية في قوات الدولة المجاورة.
أمضى ثلاث سنوات غريبا بين أهله وزوجته وأولاده، وتاريخه. خرج ذات صباح ولم يعد. ولم يكلف أحد نفسه عناء البحث عنه، بعد أن غدا حضوره كغيابه سيان، وانتهى به المطاف في مكان آخر من مساحة الوطن.. خادماً يقدم الحلوى ويصب القهوة في "سبلة الرشيد"*!
ــــــــــــــ
* سبلة: مجلس، والرشيد: شيخ العشيرة.