خروفة جدتي

الظفري

New Member
[size=5][align=justify]ــــــــــــــــــــــــ... جدتي والظفرية



جدتي لم تسكن شقة قط.. جدتي تحب البيوت العربية ذات الاحواش الواسعة.. جدتي لا تكف عن اظهار امتعاضها من حارة طوبان المجاورة لسوق المدينة: صياح وحركة.. أصوات الباعة الآسيويين و**ائنهم.. دخان محركات السيارات والدراجات النارية وضجيجها.. الغبار ودخان المطعم واصوات **ائنه المرتفعه.. وقع اقدام اذا صعدت درج المبني او اذا نزلت.

وتقول:

ـ من وين بتجينا الراحة!

وترد امي:

ـ يفرجها الله يا عمتي.

ـ الله يسمع منك يا بنتي.



اختي نصرة كلما سمعت جدتي تتذمر ترد عليها بتعليق لعلها سمعته من المسلسلات العربية اليومية:

ـ هذا كله كوم ومنصور الطبل كوم.

وتلتفت جدتي نحو نصرة وهي تضحك:

ـ صدقها نصره. كله كوم ومنصور الطبل كوم!



وتسعل سعالاً حاداً، ثم تبصق بإجهاد وتأشر بيدها على اقرب الناس اليها لاحضار الـ"قوطي".

ـ لا زم تمشي الطيبب يا عمتي.

ـ لا يا بنتي مستشفيات طوبان تجيب المرض للي ما فيه مرض!

ـ هاتي صندوق المضغة يا نصرة.. المضغة هي دوائي.



جدتي تخاف علينا كثيرا، فهي لم تتوقف منذ اول يوم لنا في الشارع عن القول:"الله يجيب العواقب سليمة". وتتحدث عن المخاطر التي قد نتعرض لها نحن الابناء. تخاف اذا احدنا تأخر عن مواعيد العودة من المدرسة، وتخاف اذا علت الاصوات في الخارج خوفا ان يكون احدنا طرفا في اعتداء او مشاجرة. وتخاف اكثر اذا نزلت نوف بمفردها! وتقول بكلمات متلعثمة لا نفهم معانيها:

ـ عودي يا عويدة.. عودي يا عويدة، تروحي بالسلامة وتعودي يا عويدة.



جدتي ـ اطال الله في عمرها ـ لا تمل الحديث عن الماضي ولا تكل. ورغم مرور سنوات طويلة على استفرار اسرتنا في طوبان، ومنذ ان بدأت افهم معنى الكلام وأنا أسمع جدتي تتحدث عن الظفرية.



قد لا تعني تلك القرية النائية في حضن الصحراء شيئا لغير جدتي، لكن الظفرية بالنسبة لها تحمل اكثر من مجرد مكان ولدت فيه وترعرت بين كثبانه الرملية: هي اسطورة ارتبط اسمها باسطورة رجل حفظنا قصته عن ظهر قلب: الظفري.. جدنا الكبير وبطل قصص جدتي الليلية!



"عودكم رجال ولا كل الرجاجيل" تبدأ جدتي حديثها عن جدنا الكبير الظفري. ولان الاستماع اليها اصبح بحكم العادة لا رغبة في سماع قصصا حفظتها قلوبنا منذ كنا صغارا، نجلس حولها نصطنع الاصغاء تطييبا لخاطرها وادخال السرور الى قلبها.



وكانت كلما تروي هذه القصة او غيرها من قصص البدو تبرق عيناها الصغيرتان الغائرتان في تجويفيهما وتشي ملامح وجهها بفرح طفولي.. لعله لم يغادرها منذ ان سمعت جدتها تروي لها قصة جدنا الكبير "الظفري".



نواف كان كل مرة يرى جدتنا تستعد لرواية سيرة "الظفري" يشيح بوجهه ويعلق بصوت خافت: "زين.. ما سمعناها سالفت عودنا الظفري!". فألكزه بكوعي في خاصرته ويرد بلكزة اشد منها ويرفقها بنعت لم يعد يزعجني!



"خرج جدكم يوما من القرية في مجموعة من رجالة، وعندما عاد اليها بعد ايام وجد ان لصوص الصحراء وقطاع الطرق هجموا على القرية ونهبوا اهلها واخذوا معهم واحدة من بنات القرية. **ّد وزمجر، وصاح في وجوه الرجال الذين لم يحسنوا الذود عن شرفهم.. لامهم وقلل من شأنهم، ووصف بعضهم بالجبن وشبه آخرين منهم بـ "النسوان".



لم ينزل جدكم العود من على ظهر ناقته، وانما ادار خطامها وركل خاصرتها بقدمية وضرب رقبتها بعصاة فانطلقت نحو الرمال الغربية وتوقف رجاله عن مرافقته حين أشار اليهم بيده ان يعودوا الى القرية.



طال غيابة ثلاثة ايام (وفي مرات أخرى سمعت جدتي تقول خمسة أيام) وفي اليوم الرابع عاد احد الرجال اللذين خرجوا يستطلعون اخباره الى القرية وهو يطلق النار في الهواء اشارة الى الاخبار السارة التي يحملها. فقد عاد جدكم الكبير ظافرا منتصرا على لصوص الصحراء!



خرجت القرية عن بكرة ابيها: رجال ونساء، وشيوخ، وشباب يستقبلونه.. فريحين بعودته مع الفتاة التي كانت على ظهر ناقته والمواشي والابل التي سرقت خلفهما. ومنذ ذلك اليوم اطلق اهل القرية لقب "الظفري" على جدكم العود" ثم اصبح الناس يشيرون الى الوادي بلقبه الجديد "وادي الظفري".



كانت جدتي تعرف كيف تثير في نفوسنا ونحن صغارا تشويقا وحبا للاصغاء اليها، وكان والدي لا يكف وهي تروي حكايات جدنا العود عن التدخل لاضفاء هالة من العظمة على سيرة الظفري!



وكبارنا.. ولم تكبر معنا قصة جدنا الكبير، وان اصبحت جزءا من ذاكرة الاسرة، فمستوانا المعيشي والاجتماعي المتواضع لم يعد يناسب انتسابنا لرجل صنعت منه جدتنا بطلا لا يقل شاءنا عن ابطال آخرين ترويها لنا كتب التاريخ ويعرضها لنا جهاز التلفزيون![/align]
[/size]
 

الظفري

New Member
[size=5][align=justify]ــــــــــــــــــــــــ... جدتي والظفرية



جدتي لم تسكن شقة قط.. جدتي تحب البيوت العربية ذات الاحواش الواسعة.. جدتي لا تكف عن اظهار امتعاضها من حارة طوبان المجاورة لسوق المدينة: صياح وحركة.. أصوات الباعة الآسيويين و**ائنهم.. دخان محركات السيارات والدراجات النارية وضجيجها.. الغبار ودخان المطعم واصوات **ائنه المرتفعه.. وقع اقدام اذا صعدت درج المبني او اذا نزلت.

وتقول:

ـ من وين بتجينا الراحة!

وترد امي:

ـ يفرجها الله يا عمتي.

ـ الله يسمع منك يا بنتي.



اختي نصرة كلما سمعت جدتي تتذمر ترد عليها بتعليق لعلها سمعته من المسلسلات العربية اليومية:

ـ هذا كله كوم ومنصور الطبل كوم.

وتلتفت جدتي نحو نصرة وهي تضحك:

ـ صدقها نصره. كله كوم ومنصور الطبل كوم!



وتسعل سعالاً حاداً، ثم تبصق بإجهاد وتأشر بيدها على اقرب الناس اليها لاحضار الـ"قوطي".

ـ لا زم تمشي الطيبب يا عمتي.

ـ لا يا بنتي مستشفيات طوبان تجيب المرض للي ما فيه مرض!

ـ هاتي صندوق المضغة يا نصرة.. المضغة هي دوائي.



جدتي تخاف علينا كثيرا، فهي لم تتوقف منذ اول يوم لنا في الشارع عن القول:"الله يجيب العواقب سليمة". وتتحدث عن المخاطر التي قد نتعرض لها نحن الابناء. تخاف اذا احدنا تأخر عن مواعيد العودة من المدرسة، وتخاف اذا علت الاصوات في الخارج خوفا ان يكون احدنا طرفا في اعتداء او مشاجرة. وتخاف اكثر اذا نزلت نوف بمفردها! وتقول بكلمات متلعثمة لا نفهم معانيها:

ـ عودي يا عويدة.. عودي يا عويدة، تروحي بالسلامة وتعودي يا عويدة.



جدتي ـ اطال الله في عمرها ـ لا تمل الحديث عن الماضي ولا تكل. ورغم مرور سنوات طويلة على استفرار اسرتنا في طوبان، ومنذ ان بدأت افهم معنى الكلام وأنا أسمع جدتي تتحدث عن الظفرية.



قد لا تعني تلك القرية النائية في حضن الصحراء شيئا لغير جدتي، لكن الظفرية بالنسبة لها تحمل اكثر من مجرد مكان ولدت فيه وترعرت بين كثبانه الرملية: هي اسطورة ارتبط اسمها باسطورة رجل حفظنا قصته عن ظهر قلب: الظفري.. جدنا الكبير وبطل قصص جدتي الليلية!



"عودكم رجال ولا كل الرجاجيل" تبدأ جدتي حديثها عن جدنا الكبير الظفري. ولان الاستماع اليها اصبح بحكم العادة لا رغبة في سماع قصصا حفظتها قلوبنا منذ كنا صغارا، نجلس حولها نصطنع الاصغاء تطييبا لخاطرها وادخال السرور الى قلبها.



وكانت كلما تروي هذه القصة او غيرها من قصص البدو تبرق عيناها الصغيرتان الغائرتان في تجويفيهما وتشي ملامح وجهها بفرح طفولي.. لعله لم يغادرها منذ ان سمعت جدتها تروي لها قصة جدنا الكبير "الظفري".



نواف كان كل مرة يرى جدتنا تستعد لرواية سيرة "الظفري" يشيح بوجهه ويعلق بصوت خافت: "زين.. ما سمعناها سالفت عودنا الظفري!". فألكزه بكوعي في خاصرته ويرد بلكزة اشد منها ويرفقها بنعت لم يعد يزعجني!



"خرج جدكم يوما من القرية في مجموعة من رجالة، وعندما عاد اليها بعد ايام وجد ان لصوص الصحراء وقطاع الطرق هجموا على القرية ونهبوا اهلها واخذوا معهم واحدة من بنات القرية. **ّد وزمجر، وصاح في وجوه الرجال الذين لم يحسنوا الذود عن شرفهم.. لامهم وقلل من شأنهم، ووصف بعضهم بالجبن وشبه آخرين منهم بـ "النسوان".



لم ينزل جدكم العود من على ظهر ناقته، وانما ادار خطامها وركل خاصرتها بقدمية وضرب رقبتها بعصاة فانطلقت نحو الرمال الغربية وتوقف رجاله عن مرافقته حين أشار اليهم بيده ان يعودوا الى القرية.



طال غيابة ثلاثة ايام (وفي مرات أخرى سمعت جدتي تقول خمسة أيام) وفي اليوم الرابع عاد احد الرجال اللذين خرجوا يستطلعون اخباره الى القرية وهو يطلق النار في الهواء اشارة الى الاخبار السارة التي يحملها. فقد عاد جدكم الكبير ظافرا منتصرا على لصوص الصحراء!



خرجت القرية عن بكرة ابيها: رجال ونساء، وشيوخ، وشباب يستقبلونه.. فريحين بعودته مع الفتاة التي كانت على ظهر ناقته والمواشي والابل التي سرقت خلفهما. ومنذ ذلك اليوم اطلق اهل القرية لقب "الظفري" على جدكم العود" ثم اصبح الناس يشيرون الى الوادي بلقبه الجديد "وادي الظفري".



كانت جدتي تعرف كيف تثير في نفوسنا ونحن صغارا تشويقا وحبا للاصغاء اليها، وكان والدي لا يكف وهي تروي حكايات جدنا العود عن التدخل لاضفاء هالة من العظمة على سيرة الظفري!



وكبارنا.. ولم تكبر معنا قصة جدنا الكبير، وان اصبحت جزءا من ذاكرة الاسرة، فمستوانا المعيشي والاجتماعي المتواضع لم يعد يناسب انتسابنا لرجل صنعت منه جدتنا بطلا لا يقل شاءنا عن ابطال آخرين ترويها لنا كتب التاريخ ويعرضها لنا جهاز التلفزيون![/align]
[/size]
 
[align=center]خروفة جدتي



اخي الظفري



بصراحة خروفة جدتي هي رائعة بمفردتها و بطريقة سردها



و اتمنى من الله ان يوفقك

تحياتي[/align]
 
[align=center]خروفة جدتي



اخي الظفري



بصراحة خروفة جدتي هي رائعة بمفردتها و بطريقة سردها



و اتمنى من الله ان يوفقك

تحياتي[/align]
 
اخي العزيز الظفري



مشكور اخي على هذه خروفة جدتي



والله يعطيك العافيه دائما والى الامام دائما



كلمات جميله وصف رائع جدا
 
اخي العزيز الظفري



مشكور اخي على هذه خروفة جدتي



والله يعطيك العافيه دائما والى الامام دائما



كلمات جميله وصف رائع جدا
 
أعلى