[align=justify]
في حركة دؤبة لاصطياد طرائدها قبل أن تأوي إلى مخادعها، كانت الدلافين تقدم عرضا مثيرا يأسر الأنفاس، وكانت الأسماك المتراقصة على سطح الماء تجفل من رفيف الطيور الحائمة والمتهيئة للوثوب عليها. ومن بين ثنايا أغصان الشـجيرات، تتلألأ قطرات الندى على ضياء خطوات الشمس المتثاقلة نحو لجة المحيط.
وهناك، على صخرة تعري أكتافها كلما اقتربت منها الأمواج، جثم نورس وأنثاه.. يمشط كل منهما بمنقاره ريش الآخر، يفليه، يداعبه، يعانقه، ويهمس في أذنه أحلى كلمات العشق في لغة الطيور!
ظللهما الصمت والهدوء غير تنفس غثاء الموج المرتطمة بصخور الصفا المجاورة. وانشغل كل منهما بما خلب لبه: كان مفتونا بمنظر عناق السماء والماء حيث تلملم الشمس ظفائرها الذهبية وهي تغتسل قبل أن تلقي جسدها التعب في حضن المحيط، وكانت تتابع بعينين تفيضان بروح الدهشة والاستغراب مداعبات النورس وأنثاه.. يعانق كل منهما الآخر دون اكتراث بوجود العاشقين الإنسيين!
وعلى سجيتها رفعت رأسها وأسندته على كتفه.. تمسد شعره بأصابعها الندية.. تقلد النورس وتتشبه بأنثاه. وإذ أدارت وجهها لمح في عينيها بريق خيوط الشمس.
دخل الليل بقمره وأنجمه وهدوءه، ورطبت أهداب الأصيل الأمواج، فالتحفا السماء وافترشا الأرض، ووسدها كتفه وذراعه. وعلى صورة وجه البدر على خد الماء أخذا يراقبان لقاء البحر للأرض، وعناق الماء للتراب: تولد الأمواج من رحم الماء، وتتدافع صوب الأرض.. تكبر كلما اقتربت من اليابسة وتتهيأ لعناق التراب، وعلى الخط الناعم بين الرمل والماء تبتسم الموجة وهي تعانق اليابسة، ويقبل الماء شفة الأرض ويذوب.. فتومض قناديل البحر أنجما زاهية بلون الليل والقمر. ويواصل البحر دفع الأمواج نحو اليابسة واحدة تلو الأخرى: تعانق الأرض.. بنعومة في معظم الأوقات، وبخشونة من وقت لآخر، ولكنها لا تكل ولا تمل!
في وقت متأخر من تلك الليلة، وانفاسها على مبعدة رمش عين، كتب في مفكرة يومياته: "اشعر وكأني أطفو على وجه البحر.. مفتونا بغموض يتوارى خلف ما لا يمكن تعليله. التيه: سر فاتن.. سحر ساحر.. معبقة بالحب والعشق والهيام.. هي كالعاصفة التي أذابت كتل جليد كانت تعيق حركة الدماء في شراييني.. هي الروح التواقة التي حملتها بين ظلوعي وحلمت بها في اليقظة ورأيتها في منامي! [/align]