أَحْلَمُ مِنَ الأَحْنَفِ‏

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
[align=justify]

هو الأحْنَفُ بن قَيْس، وكنيته‏:‏ أبو بَحْر، واسمه صَخْر، من بني تميم، وكان في رجله حَنَفٌ، وهو الميلُ إلى إنْسِيِّها، وكانت أمه تُرَقصه وهو صغير وتقول‏:‏



واللّه لولا ضَعْفُهُ مِنْ هزله * وحَنَفٌ أو دِقَّةٌ في رِجْلِهِ

ما كان في صِبْيانكم مِنْ مِثْلِهِ*



وكان حليما موصوفا بذلك، حكيما معترفا له به، قالوا‏:‏ فمن حلمه أنه أشرف عليه رجل وهو يعالج قدراً له يطبخها، فقال الرجل‏:‏



وقدر كَكَفِّ القِرْد لا مُسْتَعيرها * يُعَار، ولا مَنْ يأتِهَا يَتَدَسَّمُ



فقيل ذلك للأحنف، فقال‏:‏ يرحمه اللّه لو شاء لقال أحسن من هذا‏.‏ وقال‏:‏ ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حُمْرَ النَّعم، فقيل له‏:‏ أنت أعز العرب، فقال‏:‏ إن الناس يَرَوْنَ الحلم ذلا‏.‏ وكان يقول‏:‏ رُبَّ غَيْظ قد تَجَرَّعته مخافة ما هو أشد منه‏.‏ وكان يقول‏:‏ كثرة المزاح تَذْهَبُ بالهيبة، ومَنْ أكثر مِنْ شيء عُرف به‏.‏ والسؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل‏.‏ وقال‏:‏ ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر مُعْتبر‏:‏ لا أَخْلُفُ جليسي بغير ما أحضر به، ولا أُدْخِلُ نفسي فيما لا مَدْخَلَ لي فيه، ولا آتي السلطان أو يرسلَ إليَّ‏.‏ وقال له رجل‏:‏ يا أبا بحر، دُلَّني على مَحْمَدة بغير مَرْزئة، قال‏:‏ الْخُلُق السَّجِيح، والكف عن القبيح، واعلم أن أَدْوَأ الداء اللسان الْبذِي والخلُقُ الرَّدِي‏.‏ وأبلغ رجل مُصْعَبا عن رجل شيئاً، فأتاه الرجل يعتذر، فقال مصعب‏:‏ الذي بلَّغنيه ثِقة، فقال الأحنف‏:‏ كلا أيها الأمير، فإن الثقة لا يبلغ‏.‏



وسئل‏:‏ هل رأيتَ أحْلَمَ منك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وتعلمت منه الحلم، قيل‏:‏ ومَنْ هو‏؟‏ قال‏:‏ قَيْس ابن عاصم المنْقَرِيُّ، حَضَرْتُه يوماً وهو مُحْتَبٍ، يحدثنا إذ جاءوا بابنٍ له قتيل، وابن عم له كَتِيف، فقالوا‏:‏ إن هذا قتلَ ابنَكَ هذا، فلم يقطع حديثه، ولا نَقَضَ حَبْوَتَه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال‏:‏ أين ابني فلان‏؟‏ فجاءه، فقال‏:‏ يا بني قُمْ إلى ابن عمك فأطْلِقْه، وإلى أخيك فادْفِنْهُ، وإلى أم القتيل فأعْطِهَا مائةَ ناقةٍ فإنها غريبة لعلها تسلو عنه، ثم اتَّكأ على شقه الأيسر وأنشأ يقول‏:‏



إني امْرُؤٌ لا يَعْتَرِي خلقي * دَنَس يُفَنِّده ولا أَفْنُ

من مَنْقَرٍ من بيتِ مَكْرُمة * والغُصْنُ يَنْبُتُ حَوْلَه الغُصْنُ

خُطَباء حين يقومُ قائلُهم * بيضُ الوجوهِ مَصَاقع لُسْنُ

لا يَفْطِنُونَ لعَيبِ جارهمُ * وَهُوُ لحسن جِواره فُطْن [/align]
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى